التطور : 1. رحلة الحياة.


التطور البشري، أو الأنثروبوجينسيس، هو علم دراسة أصل و تطور نوع يدعى Homo sapiens، أو ما نسميه باللغة الدارجة البشر، كنوع متميز عن بقية اشباه الإنسان Hominids و القردة و الثدييات الأخرى، و هو علم يتفرع من علم أكثر شمولاً هو علم التطور بشكل عام، أو ما يتم تسميته بشكل دارج : نظرية داروين.


هذا العلم يمنحنا وصف يصل لمستوى عالي من الدقة عن تاريخ تطور الإنسان و الأسلاف المشتركة له مع الأنواع الأخرى، فلم يعد علم التطور اليوم هو ذاته نظرية داروين التي ظهرت منذ حوالي قرن و نصف، و التي كانت اشبه برأي علمي منها بنظرية علمية صلبة، أما علم التطور اليوم قائم على أسس صلبة مكونة من آلاف الحفريات المكتشفة، مئات الحفريات الإنتقالية*، دراسات جينية، و غير ذلك كثير، ليقدم لنا هذا العلم اليوم صورة واضحة لهذا التطور مستمدة من دلائل قوية، لا مجرد آراء فلسفية، دينية أو فكرية.


جميع الأشكال المختلفة للبشر الحاليين سواء أسيويين، أوروبيين أو أفريقيين و غيرهم تنتمي لنوع الـ Homo sapiens، أو البشر، و هو نوع ظهر في وقت ما بين 150 لـ 200 ألف سنة مضت، و يميز هذا النوع مخه المتطور جداً، و الذي يتيح له قدرات خاصة في التفكير و اللغة، و كذلك يتيح له إستخدام أفضل للأدوات من الأنواع السابقة عنه، و قد بدأ ظهور هذا النوع بأواسط أفريقيا ثم أنتشر بأثيوبيا و شرق أفريقيا، ثم جنوبها، و منها إلى أوروبا ثم أسيا، حتى وصل عدده اليوم 6.8 بليون.


هذا النوع، نحن، تطورنا عن سلف مشترك مع نوع الـ Homo neanderthalensis، يدعى Homo heidelbergensis، و قد أمتلك مخ أصغر قليلاً من مخ البشر، 93% من حجم مخ البشر، كما أن متوسط طوله كان 1.8 متر، أي أطول من الطول المعتاد للبشر كذلك، و ميزته بنيته العضلية القوية، كما أنه كان قادر على إستخدام الأدوات و طور لغة بسيطة أيضاً، و قد تواجد هذا النوع منذ 800 ألف سنة.


الـ Homo heidelbergensis و أنواع أخرى من اشباه البشر تأتي من سلف مشترك هو الـ Homo erectus، و قد أمتلك هذا النوع مخ بحجم يقترب من 70% من حجم مخ الإنسان الحالي، و قد تواجد هذا النوع قبل 1.8 مليون سنة، كل تلك الأنواع و غيرها تشكل الجنس البشري Genus Homo، و الذي أنقرضت جميع الأنواع المندرجة به إلا نوع الـ Homo sapiens، و هو الجنس المتطور عن جنس الـ Australopithecus الذي تواجد منذ حوالي 3.5 مليون عام.


الجنس الأخير بدوره تفرع من جنس الـ Ardipithecus، الذي تواجد قبل 4.4 مليون عام، و هذا الجنس أمتلك خمس حجم مخ الإنسان الحالي، و إليه تنتمي حفرية أردي الشهيرة، و يمثل هذا الجنس سلف مشترك بين أسلاف البشر و أسلاف الشمبنزيات، فبداية منه تطور أسلاف البشر مكونين تفرع تطوري خاص بهم، و بالجانب الآخر نشأ تفرع تطوري آخر خاص بأسلاف الشمبنزيات.


قبل 10 ملايين عام، أنفصلت عشيرة البشر -التي تضم الجنس البشري و جنس Pan الذي يحوي الشمبنزيات-عن أسلاف الغوريلات، و حين نجمع أسلاف الغوريلات و البشر و الشمبنزيات و حيوان الـ Orangutan نحصل على العائلة Hominidae، و التي أنفصلت عن أسلاف قردة الجيبون قبل 15 مليون عام، و تستمر شجرة التطور في التعمق في الماضي، فعائلة الـ Hominidae جزء من الـ Hominoidea، التي تفرعت عن الـ Catarrhini قبل 25 مليون عام، و المتفرعة بدورها عن الـ Haplorrhini قبل 30 مليون عام.


ثم الـ Primates، قبل 40 مليون عام، فالـ Euarchonta، قبل 75 مليون عام، ثم سلف مشترك بين أسلاف البشر و أسلاف الفئران، قبل 100 مليون عام، ثم تأتي أول الثدييات قبل 220 مليون عام متفرعة من الـ Eucynodontia، فسلف مشترك مع أسلاف الزواحف قبل 260 مليون عام، و قد تفرعت أسلاف الزواحف من الـ Acanthostega، و هو من أوائل الكائنات القادرة على الخروج من الماء، و من هنا يبدأ السلف المشترك مع أسلاف الأسماك قبل 365 مليون عام.


ثم أخيراً نصل لأكثر أشكال الحياة بدائية، كالديدان المسطحة، أول كائن يمتلك مخ، قبل 550 مليون عام، ثم القناديل، قبل 580 مليون عام، و التي بدأ بها ظهور الأعصاب و العضلات، ثم الأسفنجيات -كالشعاب المرجانية- قبل 600 مليون عام، و هي تشكل أول كائن مكون من أكثر من خلية، و قد تطورت الأسفنجيات عن الـ Choanoflagellates، و هي كائنات وحيدة الخلية كانت تعيش في مستعمرات قبل 900 مليون عام، و التي أتت كنتيجة لظهور التكاثر الجنسي قبل 1.2 بليون عام –1200 مليون عام-، عند 2.5 بليون عام مضت ظهرت أول خلايا تستخدم الأكسجين، قبلها، عند 3.9 بليون عام ظهرت أول الخلايا، و أخيراً، قبل 4 بليون عام، أول مظاهر الحياة على الإطلاق، جزيئات كيميائية معقدة لا تمثل خلايا كاملة، فقط بعد نصف بليون عام من تكون كوكبنا المذهل، الأرض.


l


* الحفرية الإنتقالية أو كما تدعى بالأوساط العامة : الحلقة المفقودة. هي حفرية لكائن يمثل مرحلة إنتقالية من نوع سابق له إلى نوع تالي له، و لهذا فتلك الحفريات تملك بعض خواص النوع السابق لها و بعض خواص النوع التالي لها، و تمثل دلائل على المراحل الإنتقالية في مسيرة التطور.

فعائلة الـ Hominidae جزء من الـ Hominoidea، التي تفرعت عن الـ

4 تعليقات to “التطور : 1. رحلة الحياة.”

  1. احمد Says:

    يالطيب

    ابي اسألك بخصوص الحفريات الإنتقالية , هل هي موجودة ام مستوحاه من الخيال , لان الذين يشككون في نظرية التطور يقولون بانه لم يتم اكتشاف أي احفورة انتقالية , اتمنى تزويدي بالمصادر إن وجد .

  2. FAR...CRY Says:

    أهلاً بك أحمد، تم إكتشاف العديد من الحفريات الإنتقالية المسجلة علمياً، يمكنك رؤية أمثلة لتلك الحفريات في الصفحة التالية، و إن كانت تلك الصفحة لا تحوي كل الحفريات الأنتقالية، بل فقط بضعة أمثلة هامة :

    http://en.wikipedia.org/wiki/List_of_transitional_fossils

    لكن بأية حال لأن اللاعالم حين ينظر لحفرية إنتقالية بين نوع من الأسماك لنوع آخر من الأسماك سيقول : لا أرى سوى هيكل عظمي لسمكة عادية. يُفضل ألا تعتمد في نقاش المشككين على الحفريات الأنتقالية، تجربة البكتيريا المذكورة بأحد مقالات سلسلة التطور هذه بسيطة بشكل كافي لفهمهم، و قوية بشكل كافي يجعلها فارغة من الثغرات التشكيكية.

  3. soso Says:

    السلام غليكم:
    أريد أن أسـأل : لماذا توقف التطور ، يعني ليش الحيوانات اليوم ما تستكمل سلسلة التطور ، وهل يعني التطور أن جميع الكائنات حتصير بشر ، وهل الانسان اليوم هو الحلقة الأخيرة من التطور أو يمكن أن يتطور إلى كائن أفضل وأرقى ؟ و إن توقف التطور عند الانسان يعني أنو البداية بخلية والنهاية بالانسان هذا يعني إنو بانقراض الانسان والكائنات الأخرى تنتهي الحياة والسؤال : ماذا بعد هذه الحياة ؟ هل يمكن أن تأتي خلية أخرى وتتطور وتنشأ حياة جديدة وتعاد القصة من جديد ….

  4. FAR...CRY Says:

    و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته،..

    التطور لم يتوقف، لكنه بطيء جداً، و لتصور مدى بطئه يمكنكِ معرفة أن نوعنا البشري لم يظهر على الأرض سوى من 200 ألف عام، بينما يأخذ التطور ما يتخطى 5 ملايين سنة لكي يصل إلى تغييرات واضحة على الحيوانات التي نستطيع أن نراها، لذا التطور مازال يحدث، إلا أنه بطيء جداً جداً.

    و الكائنات لن تتطور جميعها إلى بشر، فالبشر لا يمثلون قمة السلسلة التطورية، بل ما يحدث بالتطور هو أن الكائنات تتخصص في شيء معين و تجيده جداً كلما تطورت أكثر، الإنسان مثلاً تخصص في المخ و حجمه، بينما ظل جسده ضعيف و خالي من الأدوات أو الحواس القاتلة، بينما تخصصت السنوريات -الأسود و النمور و الفهود و القطط- في الرشاقة الجسدية و الأدوات القاتلة، كالمخالب و الحواس المرهفة، و إن نظرنا لأسماك القرش لوجدناها قد تخصصت في مجال آخر يتبع التخصص بحواس معينة كذلك، مما يمنحها القدرة على تتبع فريستها على مدى عشرات الأميال، و إلخ. لذا كلما تطورت الكائنات أكثر، كلما زاد تخصصها فيما تبرع فيه.

    مما سبق نجد أن الإنسان ليس هو الحلقة الأخيرة للتطور، و مازال يتطور، لكن للعلم فقط فتطور الإنسان لا يعني أنه سيتحول إلى كائن له مظهر مختلف كلياً، بل سيزيد حجم مخه تدريجياً، أيضاً يتوقع العلماء أن يقل الشعر الجسدي أكثر فأكثر، و يصبح الجسم أقل قوة و أقل طولاً.

    و إن حدثت كارثة مثلاً و أنتهت الحياة التي نعرفها على الأرض، فمن المحتمل جداً إن زالت آثار الكارثة أن تتكون حياة من جديد، إلا أن تكون تلك الحياة و وصولها لمستوى المستعمرات الجرثومية قد يستغرق حوالي 500 مليون عام، أما وصولها لمستوى الإنسان من جديد، فسيستغرق حوالي 4000 مليون عام إضافيين، مما يعني أن الشمس ستكون قد إنفجرت و هشمت كوكبنا الصغير قبل حدوث هذا.

اترك رداً على احمد إلغاء الرد