الإسلام : 2. من المسلم ؟


حين نولد، كعرب غالباً في أسر مسلمة، يتم تسجيل أسمائنا بالبيانات الحكومية، و معها معلومات أخرى، منها تلك المعلومة أمام خانة الدين التي تُكتب منذ نعومة أظافرنا : مسلم. ثم خلال الأعوام العشرة الأولى من حياتنا نكتسب بعض الفهم لتلك المعلومة، نتعلم أن المسلمين هم من ينطقون الشهادة، يقيمون الصلاة، و غير ذلك، و نتعلم أيضاً أن كل من لا يفعل هذا هو غير مسلم، حتى أن الأطفال يتعلمون أن كل من لا يعيش بدولة عربية هو غير مسلم، يتعلمون أن الغرب موطن غير المسلمين، أو الكفار، و أخيراً فأنهم يتعلمون أن هؤلاء الكفار مصيرهم عذاب أبدي في لهيب جهنم، و تستمر تلك المفاهيم خلال النمو، لتنتهي في صورة أفراد ذوي عقل يظنون أن كل من لم ينطق الشهادة أو لا يصلي -أو ما شابه- هو كافر، حتى أصبح غالبية البشر بنظرهم كفار، بينما هم الصفوة المختارة التي ستنعم بالنعيم فقط لأنهم وُلدوا بأسرة مسلمة.


لكن الإسلام الذي نعرفه، و كذلك الصلاة و الشهادة و غير ذلك من شروط الإسلام الشائعة، كلها أمور لم تأتي سوى مع الرسول محمد، أي بعام 610 ميلادية، فماذا عن إنسان كان يعيش في قبيلة في أعماق غابات أفريقيا قبل 30 ألف عام ؟، إنسان لم يسمع بالرسل و الأنبياء السابقين لمحمد، فهو كان يعيش حياة بدائية جداً في مكان منعزل عن العالم، و لم ينطق الشهادة و لم يصلي، و الأهم، لم يعرف أي شيء عن الإسلام، أهو غير مسلم ؟، أحقاً يقول الإسلام أن أمثاله مصيرهم الجحيم بدون حتى أن يسمعوا عن الإسلام ليتم إختبارهم ؟.


رغم أن التصور المشوه الشائع عن الإسلام يظن هذا، إلا أن الإسلام الحقيقي يقول العكس تماماً، فمثل هذا الإنسان بالحقيقة جرى إختباره، و يُحتمل أن يكون مسلم بقدري و قدرك، و ربما أكثر، فالإسلام الحقيقي لم يأتي مع الرسول محمد، لم يأتي أيضاً مع أياً من الرسل، و هو لا يشترط أن يطبق الإنسان حركات معينة لكي يتم إعتبار تلك الحركات صلاة، و لا يشترط أيضاً أن يسمي الإنسان إلهه بالله كي يُقبل كمسلم، لا يتطلب هذا الإسلام النطق بالشهادة لكي يصبح الإنسان جزء منه، لا، لا يتطلب هذا الإسلام أياً من هذا، لأنه يقوم على الفطرة الإنسانية، و لأن الدين عند الله الإسلام.


معنى أن الدين عند الله الإسلام هو أن الإسلام خارجي عن كل الرسل و الأنبياء، و أن ما قاموا به هؤلاء الرسل و الأنبياء هو وضع قواعد واضحة لهذا الإسلام الحقيقي، قواعد إن وصلت إلى علمنا يكون جزء من واجبنا إتباعها، لكن إن لم نعلمها يكون إسلامنا مُحدد بالفطرة، ففطرة الإنسان هي الإسلام، و الإختبار الذي يتلقاه مثل هذا الإنسان البدائي في مثالنا هو إختبار لمدى إتباعه تلك الفطرة، فنحن بفطرتنا ندرك حين نقوم بأمر سيء أن ما نفعله خطأ، و نشعر بداخلنا بالذنب نتيجة هذا، و حتى الإنسان البدائي يشعر هذا الذنب إن قام بقتل إنسان مثلاً، يشعر ذات نوعية الذنب إن كذب أو أذى أو خان، حتى إن لم يخبره أي شخص أن تلك الأمور خاطئة.


لكن قبل أن نتخذ المزيد من الخطوات يجب أن نتسائل أولاً : لمَ نقول أن الإسلام هو الفطرة ؟، لمَ لا تكون المسيحية هي الفطرة، أو البوذية ؟. فهذا التساؤل يكشف لنا أكثر معنى الإسلام، هذا لأن الأمر لا يحدث بطريقة تحديد الفطرة ثم تسميتها بالإسلام قبل أن يسميها الغير بالمسيحية، بل على العكس تماماً، فإتباع الفطرة السليمة يجعلك مسلم، الأمران شيء واحد، أتذكر مثالنا عن شجرة التفاح ؟، ذات الإختلاف بالتسمية في حين الموضوع واحد نجده هنا، فإتباع الفطرة هو إتباع الإسلام بشكل تلقائي، حتى إن كان الفرد يؤمن أنه بوذي مثلاً، إن كان في سلوكه يتبع فطرته و لا يقوم بما يخالفها، فهو مسلم، بالحقيقة بتلك الحالة هو مسلم أفضل من الكثير منا.


لذا فالإسلام الحقيقي يقوم على قاعدة بسيطة جداً يُحدد بها من هو المسلم، فالمسلم هو من يقوم بما يؤمن أنه خير و يمتنع عما يؤمن أنه شر، أو بشكل أكثر إختصاراً و تركيزاً : المسلم هو من يتصرف تبعاً لتصوره المبني عقلياً عن ذاته. تلك هي القاعدة الأساسية التي يقوم عليها البناء الأخلاقي الإسلامي كاملاً، لهذا نجد الإسلام يؤكد على أن من قام بفعل لا يعرف أنه خطأ لا يتم حسابه على هذا، كما يؤكد على أن معرفة الأفعال الخاطئة من الصحيحة يتم بالفطرة و عبر العقل و القلب، أي أنها بالأساس معرفة نصنعها بذواتنا، حتى إن سمعناها من شخص آخر لا يتم إحتسابها كمعرفة إلا بعدما نشعر بداخلنا صحة ما سمعناه.


لذا فالقواعد الإسلامية التي أتت مع الرسول لم تكن هي الإسلام ذاته، بل كان كل هدفها هو تبسيط الأمر على البشر، لهذا كان الرسول رحمة إلى العالمين، فعبر وجود قواعد واضحة و محددة لما يجب فعله لكي يصبح الفرد مسلماً لم يعد البشر -أو من أطلع منهم على ما جاء به الرسول- مضطرين إلى المرور بالمعاناة التي مر بها أبراهيم عليه السلام لكي يصل لربه بدون وحي أو دين معروف، لكن لا يعني هذا أن من سبقوا الرسول أو لم يطلعوا بشكل كافي على ما جاء به الرسول غير مسلمين، بل لعدم علمهم يكون الإلزام الإلهي عليهم أخف، فلا يكونوا مطالبين بكل الأمور المطالبون بها نحن نتيجة لعلمنا، كما تراعى ظروفهم المجتمعية و الثقافية، فإنسان بدائي أكثر مما كان عليه الحال في مجتمع أبراهيم عليه السلام قد لا يكون مطالب بإدراك وجود إله أعظم للكون، فعقله قد يكون أبسط من أن يفهم هذا، بينما إنسان آخر يعيش بالعصر الحالي و له من العلم الكثير يكون مطالب بما هو أكثر من أبراهيم -رغم عدم إطلاعه بشكل كافي على الإسلام- و هذا لقدرته على الوصول لإستنتاجات أصح لتوفر العلم، لذا فبجانب القاعدة الأخلاقية الأساسية بالإسلام يمكن إضافة أن الله لا يكلف نفساً إلى وسعها، لنرى بشكل كامل أسس الحساب في الإسلام، لخير كان أو شر.

14 تعليق to “الإسلام : 2. من المسلم ؟”

  1. 77math Says:

    أتذكّر التعريف القديم جدًا “الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطّاعة والخلوص من الشّرك”.. وهو أمر قلبي/عقلي بحت، لا يشترط أن تكون اعتمرت أو حججت أو تحفظ القرآن أو محجبة أو تريدها دولة إسلامية أو تتبع أحزاب ذوي الذقون.

    مسلم. وحسب.

  2. قوس قزح Says:

    نعم الاسلام هو الفعل . هو تصرف الفرد .. هو الفطرة البشرية للانسان .. فى الهند مليار بوذى و فى الصين اكثر من مليار .. وكوريا و اليابان .. ولا يعرفون كلمة عن الاسلام العربى .. والكل يعمل بوازع الضمير و الفطرة البشرية .. لا يجب ان نتشدق بالاسلام واننا خير أمة اخرجت للناس على كوكب الارض .. نحن أتعس و اشر أمة اخرجت للناس على وجة البسيطة بسبب اننا مهووسين بأننا افضل الأمم ..تحن شرذمة و حثاله .. نمارس الطقوس الرياضية 5 مرات لكى نثبت اننا مسلمون او خوفاً من العصا .. أو خوفاً من النار .. لان اللذى لا يصلى يذهب للنار .. إذن فيجب ان يصلى و لكن كيف ؟ اذا انت اديت عملك بأتقان مثل اليابانيين فأنت حقاً مسلم .. أذا لم تكذب و لم تخلف وعدا و لم تخون و تسرق مثل الالمان فأنت مسلم .. أما اذا عملت عكس كل ذلك كمثلنا العرب المسلمون فأنت امام الله كافر .. إذن من هم الكفار ؟ .. ومن هم المسلمون ؟ أظن لابد ان نضع تعريف جديد .. التعريف اللذى ولدنا به و تعلمناه للأسف ..خطأ

  3. Tone Says:

    يقول شيخنا العلامة ألبرت أينشتاين : إن العلم بدون دين أعرج , وإن الدين بدون علم أعمى .

    ما كتبته يا جيني عبر هذين المقالين هو إضاءة شمعة وتنوير , أنار الله قلبك وعقلك .

  4. FAR...CRY Says:

    77math، هذا تحديداً ما أعنيه، فهذا التعريف البسيط الذي مازلت أسمعه من قلة من العامة لليوم يشير لملخص ما أحاول قوله هنا، لكن تحديد الإسلام و حصره و حصر الكفر كذلك، وضع حدود معينة جنسية لتلك الأمور هو ما تسبب في تشويه هذا الفهم كثيراً.

    لكِ (f)

  5. FAR...CRY Says:

    قوس قزح، يبدو أن التاريخ يثبت دوماً أن الأمم التي تظن ذاتها أفضل من غيرها لا لتطورها و لا لحضارتها و إنما فقط لأنها الأمة المحبوبة من الله، أقول يبدو أن التاريخ يثبت أن مثل تلك الأمم لا تنتهي سوى في أبشع حال.

    الصلاة و الصوم و الحجاب و الحج كلها أمور ليست من جوهر الإسلام، و إنما هي مظاهر له، مظاهر نؤكد بها طاعتنا لله، لذا فهي واجبة على من يعلمها بقلبه و عقله، أما بلايين الباقية من البشر الذين لا يعرفون الإسلام بقلبهم و عقلهم فلا يمكننا أن نعتبرهم كفار، لا أقول أن جميعهم مسلمون فهذا يعتمد على ما في صدور كل منهم، لكن كل من يعيش حياة خيرة بلا أذى للآخرين و على الشكل الذي ذكرته يكون فعلاً مسلم.

    أهلاً بك هنا =)

  6. FAR...CRY Says:

    أهلاً بك أحمد، أحب رؤيتك دوماً. جملة أينشتين بالحقيقة أدق مما بدت لي باللحظة الأولى، فإختياره ذكر أن الدين أعرج إختيار بارع، و كذلك وصف العلم بالأعمى، وصفيه دقيقين حقاً هنا، أينشتين بشكل عام بحياته كان يبدو عليه الإيمان بنوع من الإعتقادات الميتافيزيقية التي تشبه إيماننا بالله.

    بخلاف هذا، أشكرك أحمد لجمال كلماتك، تناقشنا فيما هنا سابقاً و يعود الفضل لك في صقل أفكاري هنا =)

  7. قوس قزح Says:

    i am male :)

  8. FAR...CRY Says:

    Yeah that’s the answer for the question that I already thought about, guessed a wrong answer, sorry :D

    Will edit it now :)

  9. عاصم Says:

    أعتقد يا يحيى أنه من أركان الإيمان في الإسلام الإيمان بكتب الله و رسله، و طبعا هذا لمن وصله العلم بهم و قامت عليه الحجة العقلية كاملة، لأن الله سبحانه و تعالى قال في كتابه: ( و ما كنا معذبين حتى نبعث رسولا )، أما من وصله العلم بهم و قامت عليه الحجة و لم يؤمن و إن أتى بمكارم الأخلاق ومحاسن الأمور فلا يعد مسلما…

  10. FAR...CRY Says:

    هذا بالضبط ما أعنيه هنا و إن كنت قد لخصته أنت بشكل أوضح من أسلوبي الذي يعجز كثيراً عن إيضاح أفكار هي بالحقيقة بسيطة، فما أعنيه هو أن من يصله العلم يكون ملزم به، من لم يصله يُحاسب على حسب إتباع أعماله لتصوره عن ذاته و شعوره بالخير و الشر.

  11. ابوزياد Says:

    تدهشني بلاغتك وصياغتك البارعة لما يدور بخلدك و ان كنت ارى انك تسترسل احيانا حتى الابهام فيما يغني عنه الايجاز , هذا مع تحفظي على بعض اطروحاتك .

  12. FAR...CRY Says:

    كل شكري لك ابوزياد، و فعلاً بي ذلك العيب، فمشكلتي أنني بالأشياء المعقدة أشرحها بشكل مبسط و جيد، لكن حين يأتي الأمر للأشياء البسيطة، لا أعرف سبب عجزي عن شرحها ببساطتها كما هي و أسترسل فيها أكثر من اللازم محاولاً شرح ما لا يستحق الشرح بها!، هو عيب أدركه بي منذ فترة فعلاً و أحاول التخلص منه. يمكننا نقاش تحفظك إن أحببت، لكنني بشكل عام أحترمه و أقدر لك حرية الرأي يا كريم، من جديد أشكرك لجمال لطفك =)

  13. Mehdi Says:

    ان كنا نفرق بين الخطء و الصواب عبر الفطرة … فكيف يمكن ان نخطء دون ان ندري ذلك

  14. FAR...CRY Says:

    ذلك لا يحدث فهو مستحيل منطقياً، إن كنت تدرك أن أمر ما يعتبر أمر خاطيء، لا يمكنك أن تقوم به دون أن تدرك أنه خاطيء، لذا فالإمكان المفترض هنا غير ممكن، ما هو ممكن بالمقابل هو أن تقوم بفعل لا يمثل أمر خاطيء لك، بينما هو خاطيء لشخص آخر، لاحظ أن القضية نسبية فالقاعدة هي: المسلم هو من يتصرف تبعاً لتصوره المبني عقلياً عن ذاته.

اترك رداً على Tone إلغاء الرد