العقل : 1. أساس كمومي.


واحدة من أهم صفات التطور العلمي أنه خلال تقدمه يوحد بين موضوعات ظُنت أنها منفصلة، كحين وحد نيوتن بين قوانين السماء و قوانين الأرض، و كما وحد ماكسويل بين الكهربية و المغناطيسية، و توحيد أينشتين أبعاد المكان ببعد الزمن، كلها موضوعات ظنها البشر، و مازال يظنها الكثير من قليلي العلم أنها منفصلة. واحدة من تلك التطورات التوحيدية تتمثل في ميكانيكا الكم، فقد أتت بشرط غريب لم يشهده العلم مسبقاً، و هو أن إنهيار الموجة الإحتمالية لأي جسيم يحدث فقط حين نقوم برصد الجسيم، و هي بذلك، منذ اللحظة الأولى لأكتشافها، قامت بإقتراح صلة قوية بين معرفتنا بحالة الجسيم، و حالته الحقيقية بالعالم الفيزيائي الخارجي، أو بشكل أوضح، قدمت رابط جديد يوحد بين العقل و المادة.


في النظريات الكلاسيكية للمادة يوجد لكل جسيم سرعة محددة و مكان محدد طوال الوقت، فالجسيمات بالنظريات الكلاسيكية اشبه بكرات صغيرة من المادة تتصادم ككرات البلياردو، و هو ما تسبب في ظهور الصورة النيوتينية الشهيرة بأن الكون اشبه بساعة معقدة التركيب تتحرك بإنتظام تام، مما نشر بذاك العصر ظن بأننا إن علمنا مكان و سرعة كل الجسيمات بالكون، فسيمكننا التنبؤ بكل مستقبله، و معرفة كل ماضيه، و هو ما يسمى إختصاراً بالحتمية، أي أن كل شيء يسير وفق نماذج رياضياتية دقيقة لا مجال بها للحرية، سواء كانت حرية إرادة بشرية، أو حرية كونية، و هذا بدوره تسبب في إعادة إحياء ديكارت للرؤية الأفلاطونية لعالمي العقل و المادة، فسيطرت على العلماء و العامة تلك الرؤية الديكارتية بأن عالم العقل منفصل تماماً عن عالم المادة، و لا سبيل لمعرفته أو دراسته، و هو ما أدى لتهميش العقل و الشك في وجوده حتى، لعدم وجود مجال لحرية الإختيار و التقرير في النظريات الكلاسيكية للمادة.


لكن مع بدايات القرن الماضي بدأت نظرية الكم بالتشكل، و مع تشكلها بدى واضحاً عجز الحتمية الكلاسيكية عن تفسير سلوك الجسيمات التي تتكون منها أجسادنا و كل شيء آخر بالكون، و مع إنتهاء تشكل أساس نظرية الكم في الربع الأول من القرن الماضي بدى واضحاً أن الكون لا يشبه ساعة منتظمة على الإطلاق، فقد أظهرت نظرية الكم أن للجسيمات طبيعة موجية، أي أن كل جسيم تمثله موجة، تلك الموجة نسميها موجة إحتمالية، و هذا لأنها تشير للأماكن التي يحتمل أن يتواجد الجسيم بها، إلا أن الموجة الإحتمالية لا تعني أن الجسيم له مكان محدد و نحن فقط لا نعلم أين هو فنحدد إحتمالات مختلفة لوجوده، بل تشير لأمر أعمق، و هو أن الجسيم غير موجود بمكان واحد، بل بعدة أماكن بذات الوقت، كأنه متناثر على مساحة معينة من الفضاء تمثلها الموجة الإحتمالية.


و توضح قوانين و معادلات نظرية الكم كيفية تطور تلك الموجة الإحتمالية طالما لم نقم برصدها، إلا أنه بمجرد فعل هذا، بمجرد محاولة رصد الجسيم، تنهار طبيعته الموجية و يظهر بشكل عشوائي في نقطة من النقاط التي كانت تغطيها موجته الإحتمالية، و ظهوره في أحد تلك النقاط لا يحدده أي شيء نعرفه حتى الآن، لأنه ذات مرة يظهر هنا، ذات مرة يظهر هناك، و ذات مرة يظهر في الجانب البعيد من الكون، و تقف هنا قوانين نظرية الكم عاجزة عن توضيح ما هو حقاً إنهيار الموجة الإحتمالية، كما أنها تعجز عن توضيح طريقة أو ميكانيكية إختيار الجسيم لأحد تلك الإحتمالات التي تمثلها موجته، لذا فأقصى ما تمنحه لنا نظرية الكم هو تحديد الموجة الإحتمالية لأي جسيم بشكل دقيق جداً، لكنها لا تخبرنا شيء عن إنهيارها.


إلا أن هذا كان كافياً لتوضيح و إثبات أن الجسيمات لا تتبع سلوك حتمي، فحتى إن عرفنا موقع و سرعة كل جسيم بالكون في ثانية ما، لا يمكننا التنبؤ بما سيحدث حتى في الثانية التالية فضلاً عن المستقبل البعيد، كما لا يمكننا معرفة ما الذي حدث قبل ثانية مضت، كما أنها قدمت مفهوم جديد، فإنهيار الموجة الإحتمالية يحدث فقط حين نحاول رصد الجسيم، لكن إن لم نرصده يستمر في التصرف بطبيعته الموجية، و هو ما يتضح جداً في تجربة الشق المزدوج، لذا فتلك الصلة الغريبة بين توفر المعلومات لوعينا و إضطرار الجسيم حينها للتخلي عن طبيعته الإحتمالية الموجية أظهرت أن نظرية الكم تحوي بداخلها بشكل طبيعي توحيد بين العقل و المادة، هذا بخلاف هدمها المذكور للحتمية الكلاسيكية.


مع هذا الهدم نجد أن التصور الديكارتي الذي مازال يتبعه الغالب الأعم من البشر، و هو أن العقل و المادة منفصلان، هو تصور لا معنى له، ولا حاجة له أيضاً، فكيف بالأساس يتصل أمرين من طبيعة مغايرة و يتفاعلا معاً إن كان العقل و المادة فعلاً لهما عالمين مختلفين، لذا مع إنهيار هذا التصور أيضاً بدأ العلماء بمحاولة فهم هذا التوحيد الجديد الموجود بنظرية الكم، و هو ما يتم إستكمال الحديث عنه خطوة تلو الأخرى في المقالات التالية.

13 تعليق to “العقل : 1. أساس كمومي.”

  1. محمد Says:

    ميكانيكا الكم و النمط .. اليقين و الارتياب / الاحتمال :

    عندما نقوم بأي قياس كمي فإننا سوف نستعين بجهاز للقياس يخضع للفيزياء النمطية أو الكلاسيكية , و السؤال هنا :
    انطلاقًا من مبدأ الاحتمال الذي نستنتجه من ميكانيكا الكم , كيف لنا أن نطمئن إلى نتيجة (جهاز القياس) إذا كان يتكون من ذرات وجزيئات , و التي لابد و أن تصفها وتحددها الدالة الموجية لميكانيكا الكم ، وعليه فإن الجهاز نفسه لن يكون لديه قيمة محددة لكل خواصه الفيزيائية بما فى ذلك قراءة عداداته , بمعنى آخر كيف نحيد هذا الجهاز عن مبدأ الاحتمال إلى منطقة اليقين لكي نعتمد على قراءته التي تفضي إلى الاحتمال و تؤسس لميكانيكا الكم ؟!

    – هذه الملاحظة بناءً على قراءة شخصية في الموضوع و تقوم على أساس ثقافي لا تخصصي , أتمنى أن تطرح لنا رؤيتك اتجاه هذا التساؤل ..

    تحية طيبة , و أعتقد بأنني اكتشفتُ مدونة جديرة بالقراءة –

  2. FAR...CRY Says:

    نعلم أن خضوع الجهاز للفيزياء الكلاسيكية ليس أمر صحيح 100%، بل هو مجرد وصف تقريبي للوضع، إلا أن الحقيقة أن الكون كله يخضع للميكانيكا الكمومية بما فيه أجهزة الرصد، لكننا نستعمل هذا الوصف التقريبي بسبب أن ذرات الهواء، الضوء، و كل الوسط المحيط يستمر بالتصادم بشكل لا يتوقف بالجهاز، لذا تتشوش موجته الكمومية -إن قمنا بحساب موجة كمومية تشمل الجهاز فقط- و يصبح خاضع للقوانين الكلاسيكية بشكل شبه كامل، شبه كامل لا كامل تماماً، فدوماً يبقى إحتمال صغير بأن يأتي بأفعال كمومية، و هذا الإحتمال يزيد صغره كلما إزداد حجم الجسم و إزداد تأثير الوسط المحيط عليه، إلا أنه لا يصبح أبداً مساوي للصفر.

    أما عن سؤالك، ففي حالة القياس تشمل الموجة الإحتمالية أكثر من الجسيم فقط، أو الجهاز فقط، تحوي الموجة الإحتمالية حينها كما قال هايزنبرج : الجسيم و الجهاز و الوسط المحيط معاً. لذا فيتم وصف ما يحدث في إطار كلي يسميه العلماء بالسيناريوهات المحتملة، أي أننا نعلم أن قياسات الجهاز التي نراها هي حقاً القياسات التي قام بقياسها بسبب أن الجهاز حينها ليس جسم منفصل عن الجسيم الذي يتم قياسه، بل كل ما في التجربة تمثله موجة إحتمالية واحدة، موجة إحتمالية يتحقق منها إحتمال واحد، أو سيناريو محتمل واحد، و هذا السيناريو يمثل سلسلة أحداث متصلة لا نستطيع معاملتها كأنها أمور منفصلة، كرصد الجسيم و إعطاء الجهاز لنا نتيجة الرصد، أو عدم رصده و خروج الجهاز بنتيجة رصد فارغة، هذا الإحتمال أو ذاك يمثلا سيناريو كلي لا نستطيع تفكيكه، و هو ما يمنحنا الثقة في موافقة نتائجه التي نراها مع ما قام بقياسه حقاً.

    في المقال القادم أتحدث أكثر عن تلك السيناريوهات فهي تشكل جزء رئيسي من النظرية المفسرة للعقل و طريقة عمل المخ، و التي أبني أساسها في هذا المقال، لذا أبقى متابعاً يا فاضل، و أهلاً بك جداً هنا، تصريحك بنهاية تعليقك أسعدني فعلاً : )

  3. محمد Says:

    – تصور افتراضي شخصي :
    إ
    ن أهم دافع للكمومية هو أن المكان يأبى الفراغ , و عليه يتهادى الإلكترون في أي فضاء مكاني بحالته الكمومية الخاصة , و من هنا يمكننا أن ندرس هذه الظاهرة المثيرة في إطار الكوزمولجيا .

    – تحفـُّظ تعبيري :

    هل حقيقةً الفيزياء الكمية تفضي إلى وجود الإلكترون في مكانين في ذات الوقت ؟! إن دلالة التعبير الاحتمالي لا تقودنا إلى هذه النتيجة و الدليل أننا نستعرض الاحتمالات التي يتلبّس بها الإلكترون و نعتقد بأنه فيها .

    – استثمار فلسفي :

    هل أسقطت الفيزياء الكمية الحتمية التاريخية التي تقوم عليها الفلسفة المادية ؟ أظن أنها ضربة موجعة لم يكن ينتظرها كارل ماركس من هذه المادة المجنونة !!

    – معايدة :
    كل عام يا صديقي و أنت إلى الله أقرب , عيدكَ مبارك .. بانتظار تعليقك الثري لتقادح الأفكار باتجاه رؤية إيجابية .

  4. محمد Says:

    – تساؤل :

    ما هي علاقة النظرية الكمية بقانون حفظ الطاقة ؟

  5. FAR...CRY Says:

    الفضاء أو المكان -كلاسيكياً- فارغ إن لم يكن به جسم ما كصخرة أو ما شابه، و الفراغ معناه أن حقول القوى و الجسيمات قيمتها جميعاً صفر، لكن هذا فقط كلاسيكياً، أما حين ننتقل للمجال الأقرب للصحة أي ميكانيكا الكم نجد أن الأمور الثابتة بدقة لا معنى لها، فقيمة حقل جسيم ما -كالألكترون- في منطقة ما من الفضاء تظل في توتر مستمر بين قيم موجبة ضئيلة و قيم سالبة ضئيلة، هذا يجعل الفضاء كله مليء بما يسمى جسيمات وهمية، و هي جسيمات تظهر لجزء ضئيل جداً من الثانية ثم تختفي مباشرة إلى العدم، و تلك الظاهرة تم إثبات حدوثها تجريبياً، لذا ففعلاً المكان لا يمكن أن يكون فارغ.

    لاحظ أن الجسيمات يتم التعبير عنها على أنها موجات في حقول طاقة، بأية حال تلك الجسيمات الوهمية التي تظهر و تختفي طوال الوقت تأتي بنا لقانون حفظ الطاقة في ميكانيكا الكم، فظهور الجسيمات من العدم هكذا يخالف قانون حفظ الطاقة، لكن معادلات ميكانيكا الكم تظهر أن كل جسيم يظهر، يظهر معه الجسيم المضاد له، فحين يظهر ألكترون فجأة في بقعة من الفضاء يظهر معه بوزيترون -مضاد الألكترون-، و يستمران لجزء ضئيل جداً من الثانية ثم يصطدمان معاً و يفنى وجودهما، يشبه العلماء هذا الأمر بإستعارة مؤقتة للطاقة من الكون، إستعارة تدوم لوقت قصير جداً، ثم يتم رد الدين.

    ثم نعم، ميكانيكا الكم تؤكد أن الجسيمات لا يوجد لها مكان محدد، لا مكانين فقط، بل هي اشبه بموجة، كل الفضاء الذي تغطيه تلك الموجة -و هي أكبر كثيراً من حجم الجسيم- هو فضاء يوجد به الجسيم، لا كنقاط متناثرة كل منها تمثل الجسيم، بل الموجة هي الجسيم و الجسيم هو الموجة، بدون وجود رصد للجسيم يتحول الجسيم لموجة و لا يعود يشبه نقطة في الفضاء، و فعلاً الإحتمالية الكمومية في أصلها البدائي لا تقود لتلك النتيجة، و هو ما دفع أينشتين لإفتراض أن الجسيم يملك دوماً مكان محدد، لكن عبر تجارب عدة تم إثبات خطأ هذا تماماً، منها تجربة الشق المزدوج التي يوجد رابطها في المقال، حيث أننا بتلك التجربة نطلق ألكترون واحد تجاه حائط فيه فتحتان فقط، و خلف هذا الحائط توجد شاشة تنير كلما سقط عليها ألكترون، كلاسكياً، يجب أن يمر الألكترون من فتحة واحدة فقط، لذا بعد تكرير هذا الإطلاق الفردي عدة مرات يجب أن نجد الشاشة في الخلف تحمل دائرة منيرة على اليمين، و دائرة منيرة على اليسار، إلا أن ما نجده بالحقيقة هو ما يسمى بنمط التداخل، و هو يشير إلى أن كل ألكترون مفرد عبر من الفتحتين في نفس الوقت، و تداخل مع نفسه بعد المرور من الفتحتين، و هذا ما أدى لظهور نمط التداخل، لذا فمعلوم حالياً أن الجسيمات لا توجد في مكان واحد إلا في لحظة رصدها فقط، أما طوال الوقت الباقي، هي موجودة في مكانين، ثلاثة، عشرة، أو حتى كل الكون.

    الحتمية التاريخية المطلقة تفترض عدم وجود حرية إنسانية، و تقوم على أساس متفرع من الحتمية المادية، لذا فمع سقوط أساسها تسقط هي أيضاً، حقيقة مع ظهور نظرية الكم سقطت أي مذاهب علمية أو فلسفية تفترض الحتمية سقوط تام، و حتى فكرة السببية ذاتها تلقت ضربة قوية، بالرغم من إبتعادها النسبي عن الحتمية.

    أشكرك كثيراً للطف معايدتك يا راقي، و كل عام و أنت برضا عن فرحة، بعد دقائق سأضع المقال الجديد فقد حمسني وجودك لعدم الغياب تماماً خلال سفري، لذا يمكننا إستكمال النقاش به إن أردت، فبدلاً من أن يتناثر النقاش هناك و هنا، يمكننا وضعه دوماً في كل مقال جديد من تلك السلسلة حتى إن مازلنا به نتناقش في نقاط من مقالات سابقة، بإختصار ضع تعليقك هناك إن فضلت أنت هذا. أدامك الله بخير.

  6. محمد Says:

    – في مشاركتك السابقة أشرت إلى أن فكرة السببية ذاتها تلقت ضربة قوية من فيزياء الكم ,
    هل يمكن أن تبين ذلك من وجهة نظرك ؟

    – سوف أنتقل إلى الموضوع الجديد للتعليق بما يخصه , و لكن أفضل أن نكمل تسلسل النقاش فيما يتعلق بهذا الموضوع و تفرعاته , و ذلك كي يستفيد القارئ الآخر و يربط بين النقاط .

  7. FAR...CRY Says:

    كما ترى، أحد أساسات السببية هي ما يعرف بأسم المحلية، و المحلية تمثل أحد أساسات الحتمية أيضاً.

    المحلية بإختصار هي إستحالة تأثير جسم هنا على جسم يبعد مثلاً بليون سنة ضوئية إلا مع مرور وقت كافي لا يقل عن الوقت الذي سيستغرقه الضوء للوصول من الجسم الأول للآخر، أي بليون سنة بهذا المثال، فالمحلية تنكر التأثير الآني.

    لكن ميكانيكا الكم تنبأت بخطأ المحلية، ثم تم إثبات هذا التنبؤ لاحقاً، مما أنهى أخر رمق للحتمية، و كانت المحاولة الأخيرة لأينشتين في إفتراض متغيرات خفية أو ما شابه، و تلقت السببية ضربة قوية لكون المحلية أحد أساستها، إلا أنها لم تنهار مع الحتمية لكون السببية قابلة للعمل في نموذج كلي غير محلي، فقط سنحتاج لتغيير مفهومنا عنها لتشمل فهم إمكان حدوث تأثيرات آنية بين أمور منفصلة مكانياً، تلك النقطة يتم التحدث عنها بتفصيل و وضوح أكثر في المقالات الختامية من تلك السلسلة.

    أرى صحة رأيك فيما يتعلق بإستفادة الآخرين، لذا أتفق معك، من جديد أشكرك لتواجدك يا صديقي (f)

  8. محمد Says:

    تحية طيبة يا صديقي ..

    سؤال القياس في المجال الفلسفي :

    حينما تكون عناصر الظرف كلها خاضع للكمومية و من ذلك ( الراصد و المشاهد ), بحيث يتفاعل الكل في إطار السلوك الاحتمالي الموجي , فكيف ينتج من الاحتمال الكلي اليقين الموضوعي ؟ بمعنى آخر .. أين هو العنصر الثابت الضروري في هذا الظرف الذي نبني عليه مصداقية القياس ؟

  9. FAR...CRY Says:

    محمد، نظراً لغيابي الحالي بسبب عدم عودة إتصالي بالنت بالبيت بعد و كثافة الأحداث هنا بمصر، أجيبك بإذن الله حين يتاح لي الوقت الكافي مع عودة إتصالي، على حديثك هنا و بالمقال الثامن، توقع أن يتم تعديل هذا الرد و إضافة تعليقي مكانه، كن بخير يا صديقي.

  10. محمد Says:

    لم أكن أعلم يا صديقي بأنك مصري تنتمي إلى أرض الكنانة الطاهرة , لذا أعتذر عن هذا التوقيت الخاطئ للمداخلات .

    أقدم اعتذاري مجددًا و أتمنى لـ شعب مصر حياة تليق بخياراته المسؤولة , أسأل الله لك الخير والتوفيق .

    تحية صادقة .

  11. FAR...CRY Says:

    لا حاجة للإعتذار يا صديقي، أشكرك لتقديرك و لطفك، بالعودة إلى سؤالك عن العنصر الثابت الضروري الذي تبنى عليه الموضوعية، فهذا العنصر هو الأحداث الكمومية، حدث تحقيق أحد الإحتمالات، فحين أتسبب في حدث كمومي يُنتج هذا الحدث مظاهر مادية موضوعية يرصدها الآخرون كما أرصدها أنا، لذا فالموجة الإحتمالية و الأحداث الكمومية كلاهما أمور غير ذاتية، بل موضوعية و موجودة بالكون الحقيقي.

  12. محمد Says:

    أتفقُ معك يا صديقي بأنه هنالك أحداث كمومية موجود بالكون الحقيقي , و لكن كيف نقيسها بثابت مفقود في المجال الكمومي ؟

    الإنسان الراصد جزء من الحدث في الظاهرة الكمومية , و عليه هو متغير و ليس ثابت , أعني بذلك أن كل مادة تخضع للسلوك الموجي الاحتمالي في مجال الفيزياء الكمية , و هنا تبقى إشكالية القياس قائمة في البحث عن الثابت , و هي عصية على الحل .

    الفرض الذي تذهب إليه يا صديقي يعطي الشرعية للفيزياء الكلاسيكية – بحسب فهمي – في مرحلة القياس و يتجاوزها في النتيجة .

    الأقرب إلى قناعتي في تفسير إشكالية القياس هي أننا لا نعلم و لن نعلم , لأننا جزء من الحدث الكمومي , حيث أن فيزياء الكم تقضي على الثابت في مجال المادة , و عليه نحن لسنا في إطار القياس بل في إطار الحدث .

    ما زالتْ كلمة السر مفقودة بين الفيزياء الكلاسيكية و الكمية , و هي (الثابت) في مجال القياس , هذه الرؤية السلبية أقرب إلى قناعتي من تفسير كوبنهاجن لأنه لا يجيب على إشكالية القياس .

    تحية صادقة .

  13. FAR...CRY Says:

    من خلال تعليقك صديقي وجدت نقاط الغير واضحة لك بسببها تظهر مشكلة القياس، أذكر تلك النقاط بالترتيب و مع إنتهائي أظنك ستجد أن المشكلة تبددت :

    1. الحدث الكمومي ثابت و غير متغير، و يبقى للأبد بتاريخ الكون كما هو من بعد حدوثه و لا سبيل لإزالته أو تغييره، هذا بخلاف الموجة الإحتمالية التي تقبل التغيير حتى إن كنا نغير في ماضيها الذي حدث بالأساس.

    2. يمكن تشبيه الحدث الكمومي و علاقته بالموجة الإحتمالية -و أيضاً طبيعة موضوعيته و ثبوته- من مثال بسيط تتخيل به يد تقذف بصخرة إلى حائط، و الصخرة بإتجاهها الآن للحائط لكي تصدم به ثم تتفتت متناثرة حين يحدث هذا، أياً كان الراصد الذي أتيت به، فسيخبرك أن اليد قد قذفت الصخرة إلى الحائط، هذا لأن حدث القذف هذا يمثل هنا حدث كمومي، أي أنه أخرج شيء ما من بحر الميول و الإحتمالات و جعله واقعاً، لكن حينما تسأل راصدين مختلفين عن نمط تفتت الصخرة بعد إصطدامها -بفرض أن هذا التفتت تحكمه الكمومية- فسيجيبوك بإجابات مختلفة، هذا لأن كلاً منهم حين يقوم برصد الصخرة لمعرفة ناتج التفتت، فهو يغير من الموجة الإحتمالية و يصبح مشاركاً بها، هذا لأن حدث التفتت لم يحدث بعد، لكن إن سألت ذات الراصدين بعد حدوث التفتت، فسيخبروك إجابة واحدة لأن بعد حدوث الحدث، يتم نزع المادية و الجسيمية من بحر الميول هذا، و تصبح تاريخ غير قابل للتأثر بالرصد أو الذاتية، تاريخ موضوعي ثابت، هذا هو مفهوم هايزنبرج.

    3. لذا فالأحداث الكمومية هي ذاتها الثابت الذي تتطلبه مشكلة القياس، نحن لا نقيس الأحداث الكمومية عبر إستخدام ثابت، بل هي بذاتها الثابت.

    4. لذا أيضاً فتفسير كوبنهاجن لا يدخل الفيزياء الكلاسيكية في مرحلة قياس الموجة الإحتمالية، ففي مرحلة القياس يتم معاملة النظام الذي يجري قياسه و النظام الذي يقوم بالقياس على أنهما موجة إحتمالية واحدة، لكن من جانب آخر فإن كان القياس هو قياس للأحداث التي سبق حدوثها، فبتلك الحالة يكون كلاسيكياً، لكنه ليس كلاسيكياً بشكل جوهري، بل هي كلاسيكية نابعة من كون الأحداث الكمومية تضفي الجسيمية إلى كوننا، أي أن إنعكاس الأحداث على كوننا يصنع أمور مادية كلاسيكية بمظهرها، رغم أن تلك الأحداث كلية و كمومية بجوهرها.

    بالمناسبة أنوي تناول العقل بسلسلة أخرى أقصر من تلك أقدم بها دراسة متخصصة له، لكن بالأيام القادمة توقع وصول النتائج التي ذكرت أنني سأتحدث عنها بعد تلك السلسلة (f)

اترك رداً على FAR...CRY إلغاء الرد