وداعاً


بأول يوم من هذا العام، كانت هناك تلك الرسالة التي يستقبلها جميع المدونين، الرسالة التي تلخص نشاطهم و نشاط مدوناتهم خلال سنة، في صندوق رسائلي، و لم يهمني شيء منها سوى أمرين، أن خلال 2012 لم أضف سوى 6 تدوينات جديدة فقط، و أن خلال نفس الفترة لم يتراجع زواري سوى بنسبة 20 في المائة،..


بسن ما بين الثالثة عشر و الرابعة عشر كانت هناك تلك الصداقة الخيالية العالقة برأسي، باقية من طفولة لم تكن بعيدة كثيراً، لكنها كانت تبتعد، صداقة كالتي قام كثير منا بخلقها في طفولاتهم، صديق يحدثوه، يبكون إليه، يعرفهم كما تعرفهم ذواتهم، يشاركهم الفرح و يكون جداراً ممتداً من النفس للإستناد عليه، بسن ما بين الثالثة عشر و الرابعة عشر، كانت أمامي تلك الصداقة، كنت أدرك أنها ليست سوى خيالات برأسي، و كان عليّ وضع نهاية لها، أذكر أن إتخاذ القرار كان صعب حقاً، أذكر أن ألم كثيف كان يعتصر قلبي حين قررت ألا أعود لتخيل تلك الصداقة، أذكر أن الأمر لم يكن سهلاً على الإطلاق، لكني كنت أدرك ضرورته، كنت مدرك لكونها مرحلة و أني حينها كنت أنتقل لمرحلة أخرى.


أنتم، و أطراف أناملكم و هي تكتب عنواني، و عيونكم و هي تلقي بالبصر أبعد من حروفي السوداء، و آلاف النبضات العصبية في أذهانكم ساعية إلى ترجمتها لتبدو لكم بسهولة كأفكار و كلمات، كل ما بكم، و كل ما أنتم عليه، حقيقي، أنتم صداقة لم يؤثر بها حاجز المسافات، خلال سنين عبرت بكم كما عبرتم بي، بعضكم لم أعرفه أبداً لكنه عرفني، بعضكم أتى أقرب إليّ قبل أن يذوب في الضوء من جديد، بعضكم فضل أن يترك أثر أعمق بي لن أنساه يوماً حتى مع وصولهم إلى أبعد مما يمتد القلب، و يبقى البعض الذين أضافوا ألواناً إليّ بصداقاتهم التي تشكل جزء لا يتجزأ من واقعي اليوم و لا يربطهم رابط بمصير مكاني هنا، و أثق أني لآخرين مثلت البعض الأول و الثاني و الثالث، و لصداقاتي أتمنى أن أبقى مخلصاً.


ما تبادلناه هنا مثل لي بإجماله صداقة ضخمة، بيني و بين القاريء بشكل عام، صداقة حقيقية يؤلمني التفكير في فقدها أكثر مما ألمني بصغري فقد صداقتي الخيالية، لكن، يا إلهي، كم تغيرت حياتي جوهرياً و بشكل يكاد يكون كليّ في خمسة عشر شهراً، قبلهم كنت على مشارف إنهاء دراستي الجامعية، أنظر لمستقبل لا أملك أي تصور عما سوف يكون، و ها أنا اليوم، أجهز بيت رقيق لأجل إنتقالي إليه أولاً ثم لأجل بون التي أتمنى أن تأتيه سريعاً تلو ذلك، و أقضي وقت الفراغ بين أصدقاء كثيفين الحياة و الحب يبدأ إشتياقي إليهم حين أغادرهم، و أنهمك كل صباح في عملي الذي تسارع بين مستويات بطريقة جعلت من الصعب أحياناً أن ألتقط أنفاسي لإحتواء كل مستوى، فيما أحاول جاهداً أن أعود لفعل بعض النشاطات حتى لا يطغى حب المرح على رغبة الإستفادة من دقات الساعات، و بين كل ذاك الصخب الهائل كل يوم، كانت محاولات العودة هنا أقرب لفشل رفض التخلي عنكم أكثر منها للنجاح، لكنها كانت مرحلة، و تلك الرسالة في صندوقي جعلتني أدرك أني الآن أنتقل لأخرى، و أني مهما حاولت جاهداً أن أتمسك بها مع الحالية، لن أستطيع،..


و بقدر ما يحزنني الأمر، و بقدر ما يخبرني عقلي ألا أقول وداعاً لعلي أعود عما قريب، بقدر ما تدفعني بالمقابل النسبة شبه الثابتة لحضوركم، حين مقارنتها مع نشاطي، لكي أضع وداعاً لائقاً أنهيه بأني سأفتقدكم حقاً، سأفتقد المكان هنا بدرجة مؤلمة، و سأذهب و يمكنكم الآن أن تتوقفوا و تذهبوا أيضاً، لكن كم سأحب من يبقي لمحة روح مما تبادلناه عبر وسائل تواصل متناثرة بأنحاء المكان، بين أنا و آن لك أن تعلم و حيث يمكنك أن تبعث بالذي بك، و يمكنكم دوماً أن تثيروا الفرح في التي أحب بإطلالاتكم، لكن حذراً على القلوب الهشة، فلرقة مكانها جمال فرنسي مرهق، و من يعلم، قد تكفيكم زيارة مرة كل شهور ثلاثة، و تؤدي ذات يوم للعثور على رابط صغير يقود لمكان تتشاركه فتاتي الخريفية معي، و من يعلم كم وداعاً يدوم، و كم وداعات لا تتحملها خفة ذواتنا.


وداعاً.

9 تعليقات to “وداعاً”

  1. أحمد Says:

    :( نفتقد مقالاتك وحواراتك العلمية..
    Amuse toi Mon ami :)

  2. Yahia Barakah Says:

    حقيقة أفتقدها أنا كذلك D=
    لتكن حياتك دوماً أجمل صديقي =)

  3. عاصم Says:

    أرجو ألا تغيب كثيرا … في انتظار مقالاتك بإذن الله :) …
    و وحشتنا يا عم ابقى طل علينا كده في أليكس جييك :D

  4. Yahia Barakah Says:

    أتمنى فعلاً ألا يطول :) و بجد يا ليتنا نعمل لقاء لألكس جييك لأن اللقاءات كانت المفروض عادتنا و بفضلها جداً أنا :D يمكن بعد ما كل الأمتحانات تخلص يوافقوا نعمل لقاء!

  5. Iman Says:

    تمتلك خلفيّة بالعلم توازي قوّة أسلوبك الأدبي الرقيق مثلك، أمنياتي لك بالتوفيق في عملك، وبحياتك الخاصّة… الكثير من الحب والضوء والجمال لكما معا، لك ولبون، سأشتاق لكتاباتك التي قرأتها اوّل مرة ب 2005 في مكسات، وبينما فضّلت ان أراقبك من بعيد كنت لي الصديق، شكرًا لك! متى ما عدت أنا وبقية الأصدقاء بانتظارك، أرجو ان تبقى مدونتك موجودة فمازلت اقرأ فيها من الحين للآخر..

  6. Yahia Barakah Says:

    Aaaw! أتمنى لكِ المثل و أكثر، إيمان، لا أعرف كيف يمكنني وصف الشعور الذي يأتيني حين أعلم أن هناك من يتابعني منذ فترة تمتد أعواماً، كأنه شعور مغتبط كألوان مشرقة تتطاير إلى فراشات خفيفة. و أظنك بهذا تكونين أقدم شخص يتابعني، لفترة تتخطى بون على الأقل P=!

    ستبقى مدونتي لأني انوي العودة يوماً، أتمنى أن يكون أقرب مما أعتقد، لكني أريد حقاً أن أعود، فمازال يصيبني حزن عميق كلما تذكرت ما تشاركته معكم، كم أفتقدكم حقاً =(

  7. Aziza Says:

    لا تحزن كثيراً ..
    الحياة جميلة ياعزيزي .

  8. theqween Says:

    من صجك؟؟!!!!!!!!! انصدمت صراحة عاد توني كاتبه رد وكنت رايقه عشان جذي كتبته بالفصحي انا عادة اكتب فصحي بس انت فاجئتني مع اني جديدة بهالبوست!!! اتمني ترجع

أضف تعليق